responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 3  صفحه : 487
مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرَائِعِ. أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة: 43] فَفِيهِ وُجُوهٌ أَحَدُهَا: أَنَّ الْيَهُودَ لَا رُكُوعَ فِي صَلَاتِهِمْ فَخَصَّ اللَّهُ الرُّكُوعَ بِالذِّكْرِ تَحْرِيضًا لَهُمْ عَلَى الْإِتْيَانِ بِصَلَاةِ الْمُسْلِمِينَ، وَثَانِيهَا: أَنَّ الْمُرَادَ صَلُّوا مَعَ الْمُصَلِّينَ، وَعَلَى هَذَا يَزُولُ التكرار لأن في الأول أمر تعالى بإقامتها وَأَمَرَ فِي الثَّانِي بِفِعْلِهَا فِي الْجَمَاعَةِ، وَثَالِثُهَا: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ الْأَمْرِ بِالرُّكُوعِ هُوَ الْأَمْرَ بِالْخُضُوعِ لِأَنَّ الرُّكُوعَ وَالْخُضُوعَ فِي اللُّغَةِ سَوَاءٌ فَيَكُونُ نَهْيًا عَنِ الِاسْتِكْبَارِ الْمَذْمُومِ وَأَمْرًا بِالتَّذَلُّلِ كَمَا قَالَ لِلْمُؤْمِنِينَ: فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ [الْمَائِدَةِ: 54] وَكَقَوْلِهِ تَأْدِيبًا لِرَسُولِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الشُّعَرَاءِ: 215] وَكَمَدْحِهِ لَهُ بِقَوْلِهِ: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آلِ عِمْرَانَ: 159] وَهَكَذَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ [الْمَائِدَةِ: 55] فَكَأَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَهُمْ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ أَمَرَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ بِالِانْقِيَادِ وَالْخُضُوعِ وَتَرْكِ التَّمَرُّدِ. وَحَكَى الْأَصَمُّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ إِنَّمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِالزَّكَاةِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُوَ الْمُرَادُ بقوله تعالى: وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ [المائدة: 62، 63] وبقوله:
وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا ... وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ [النِّسَاءِ: 161] فَأَظْهَرَ اللَّهُ تعالى في هذا الموضع ما كان مكتوباً لِيَحْذَرُوا أَنْ يَفْضَحَهُمْ فِي سَائِرِ أَسْرَارِهِمْ وَمَعَاصِيهِمْ فَيَصِيرُ هَذَا كَالْإِخْبَارِ عَنِ الْغَيْبِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ دَلَائِلِ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم.

[سورة البقرة (2) : آية 44]
أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (44)
اعْلَمْ أَنَّ الْهَمْزَةَ فِي أَتَأْمَرُونَ النَّاسَ بِالْبَرِّ لِلتَّقْرِيرِ مَعَ التَّقْرِيعِ وَالتَّعَجُّبِ مِنْ حَالِهِمْ، وَأَمَّا الْبِرُّ فَهُوَ اسْمٌ جَامِعٌ لِأَعْمَالِ الْخَيْرِ، وَمِنْهُ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ وَهُوَ طَاعَتُهُمَا، وَمِنْهُ عَمَلٌ مَبْرُورٌ، أَيْ قَدْ رَضِيَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الصِّدْقِ كَمَا يُقَالُ بَرَّ فِي يَمِينِهِ أَيْ صَدَقَ وَلَمْ يَحْنَثْ، وَيُقَالُ: صَدَقْتَ وَبَرَرْتَ، وَقَالَ تَعَالَى: وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى [الْبَقَرَةِ: 189] فَأَخْبَرَ أَنَّ الْبِرَّ جَامِعٌ لِلتَّقْوَى، وَاعْلَمْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ/ وَتَعَالَى لَمَّا أَمَرَ بِالْإِيمَانِ وَالشَّرَائِعِ بِنَاءً عَلَى مَا خَصَّهُمْ بِهِ من النعم ورغبهم في ذلك بناء عَلَى مَأْخَذٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ التَّغَافُلَ عَنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ مَعَ حَثِّ النَّاسِ عَلَيْهَا مُسْتَقْبَحٌ فِي الْعُقُولِ، إِذِ الْمَقْصُودُ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ بِذَلِكَ إِمَّا النَّصِيحَةُ أَوِ الشَّفَقَةُ، وَلَيْسَ مِنَ الْعَقْلِ أَنْ يُشْفِقَ الْإِنْسَانُ عَلَى غَيْرِهِ أَوْ أَنْ يَنْصَحَ غَيْرَهُ وَيُهْمِلَ نَفْسَهُ فَحَذَّرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ بِأَنْ قَرَّعَهُمْ بِهَذَا الْكَلَامِ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِالْبَرِّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ عَلَى وُجُوهٍ، أَحَدُهَا: وَهُوَ قَوْلُ السُّدِّيِّ أَنَّهُمْ كَانُوا يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَيَنْهَوْنَهُمْ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَهُمْ كَانُوا يَتْرُكُونَ الطَّاعَةَ وَيُقْدِمُونَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، وَثَانِيهَا: قَوْلُ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَهُمْ كَانُوا يَتْرُكُونَهُمَا. وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ إِذَا جَاءَهُمْ أَحَدٌ فِي الْخُفْيَةِ لِاسْتِعْلَامِ أَمْرِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا: هُوَ صَادِقٌ فِيمَا يَقُولُ وَأَمْرُهُ حق فاتبعوه، وهم كانوا لا يتبعونه لطمعهم في الهدايا والصلاة الَّتِي كَانَتْ تَصِلُ إِلَيْهِمْ مِنْ أَتْبَاعِهِمْ، وَرَابِعُهَا: أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْيَهُودِ كَانُوا قَبْلَ مَبْعَثِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخْبِرُونَ مُشْرِكِي الْعَرَبِ أَنَّ رَسُولًا سَيَظْهَرُ مِنْكُمْ وَيَدْعُو إِلَى الحق وكانوا يرغبونهم باتباعه فلما بعث الله محمداً حسدوه وكفروا به، فبكتهم الله تعالى بسبب أنهم كانوا يَأْمُرُونَ بِاتِّبَاعِهِ قَبْلَ ظُهُورِهِ، فَلَمَّا ظَهَرَ تَرَكُوهُ وَأَعْرَضُوا عَنْ دِينِهِ، وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي مُسْلِمٍ، وخامسها: وهو قول الزجاج أنهم كَانُوا يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِبَذْلِ الصَّدَقَةِ، وَكَانُوا يَشِحُّونَ بِهَا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَهُمْ بِقَسَاوَةِ الْقُلُوبِ وَأَكْلِ الرِّبَا وَالسُّحْتِ، وَسَادِسُهَا: لَعَلَّ الْمُنَافِقِينَ مِنَ الْيَهُودِ كَانُوا يَأْمُرُونَ بِاتِّبَاعِ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 3  صفحه : 487
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست